18 - 07 - 2024

عاصفة بوح | علمتني غزة

عاصفة بوح | علمتني غزة

علمتني غزة الكثير.. علمتني على أرض واقعها ومن خلال مقاومتها الباسلة. 

تضحيات الغزاويين وإيمانهم بأن الحرية لها ثمن لابد أن يدفع، وأنها ليست هبة أو عطية  تمنح من المحتل، إن شاء منح وإن شاء منع.. وأن الإنسان الحر لا يجب أن يستسلم وييأس ويقبل الذل والهوان حتى آخر العمر، بل يظل يحاول حتى ينال حريته.. هكذا علمنا التاريخ  أنه مهما تفاوت ميزان القوة بين المحتل وصاحب الأرض، ومهما  طال الزمن أو قصر، فإن صاحب الحق ينتصر فى النهاية ولنا فى جنوب أفريقيا أسوة حسنة وغيرها.

ومرت مياه كثيرة منذ مفاجأة 7 أكتوبر النبيلة.. ومهما اختلفت الآراء حول جدواها من ذوي النوايا الخبيثة وأصحاب المصالح المستترة.. فإن تلك الحرب الذى صدق من أطلق عليها الحرب الكاشفة للجميع.. قد فضحتهم أمام شعوبهم وأمام التاريخ.

 الشعوب العربية ومعها الغربية بعدما زالت الغشاوة الصهيونية من على أعينها ساهمت فىتوصيل حقيقة المقاومة النبيلة، بأنها ليست منظمة إرهابية كما يصفها الخونة والأعداء، بل مقاتلين أيقظوا ضمير العالم ليرى من خلال شاشات تليفوناته الحقيقة التي حاول الإعلام الرسمى في الدول المتواطئة إخفاءها.

 كشفت الشعوب حقيقة إسرائيل العنصرية والإجرامية ومدى تبجحها واستهتارها بكل المعايير الدولية والإنسانية، كأنها ثور هائج لم يستطع تقبل هزيمته الأولى بعنصر المفاجأة والتخطيط العبقري، فانطلق يقتل ويحرق كل شيء أمامه لعله ينقذ شيئا من كرامته المهدرة في 7 أكتوبر،  والتى حتى الآن رغم حرب الإبادة الجماعية وتحطيم 80% من بنية غزة التحتية. لم تحقق إسرائيل أي هدف من حربها الانتقامية، فلم تحرر الأسرى ولم تقضِ على حماس ولم يستسلم الفلسطينيون رغم مأساتهم التي لم نر مثيلها حتى على يد النازية، ولكنه الدرس الذى يعلموه لنا .. بأنه لا يضيع حق وراءه مطالب وأن الهزيمة يتكبدها المتخاذلون والجبناء فقط، أما المقاومون فليس أمامهم سوى النصر أو الشهادة، وكليهما مغنم لا يستحقه إلا الأبطال أصحاب العزة والكرامة.

حرب غزة كشفت الجميع وخلعت ورق التوت عنهم وفضحتهم أمام التاريخ، وقبلها أمام شعوبهم التى لن تغفر لهم هذه السقطة عندما يأتي وقت الحساب، الذين صمتوا جبنا وتغليبا للمصالح الشخصية على نصرة الشعوب المقهورة وقضاياها المصيرية, والذين تواطأوا في الخفاء وطلبوا تصفية المقاومين المدافعين عن وطنهم، لأن مصالحهم السياسية ومنافعهم المادية لا تتفق مع نبل المقاومة.. هؤلاء مصيرهم جهنم وبئس المصير بإذن الله.

حرب غزة كشفت كذب كل ما لقنونا إياه منذ الطفولة فى مناهجنا الدراسية، بأن الحضارة قد وضعت خطا فاصلا بين همجية الماضى بحروبه المتوحشة المفلتة من أي قيود أو معايير أخلاقية وإنسانية وما بين حروب اليوم التي كان يقال أنها تخضع لمعايير أخلاقية ثابتة وقوانين دولية نافذة وأولها حماية المدنيين، حتى جاءت حرب غزة لتعلن اختفاء كل ماسبق.. وأن الثور الإسرائيلى الهائج عندما فشل فى مواجهة جسارة المقاومين.. صب غضبه المجنون على النساء والأطفال.. لعنة الله على الجبناء.

إذن أدبتنا وعلمتنا حرب غزة الكثير والكثير أهمه أن نعد ما استطعنا - كما أمرنا الله - من قوة ومن رباط الخيل نرهب به عدو الله وعدونا، ولا نثق بأحد.. الحلفاء قبل الأعداء.. ولا نعتمد إلا على أنفسنا، وأن نكون جاهزين دائما للأخذ بأسباب كل القوة حتى لا نفاجأ بانكشاف ظهورنا وقت المعارك ممن ادعوا يوما أنهم أشقاء دم ورحم ودين وقضية.

علمتنى غزة.. أن مبدأ القوة أصبح هو السائد الآن مثل عصور الظلام الإنساني، فإن كان لك حليف قوى تمسكه من رقبته وتسيطر عليه بكل قوة، كما هو حال العلاقة بين إسرائيل وأمريكا. خاصة إذا كان معه منظمة دولية تدار لحسابه.. فليفعل حليفه ما شاء!!

علمتنى حرب غزة ألا أعتمد على إعلام الدول لإيصال الحقيقة وأن الشعوب نجحت عبر إعلامها الإلكتروني الخاص أن توصل الحقيقة لأول مرة للشعوب الغربية، فتنتفض وتتظاهر ضد الكذب الإسرائيلى وتدعم لأول مرة القضية الفلسطينية، عن وعي وقناعة.. فذلك درس لنا جميعا ألا نصدق بعد الآن ما تنتجه الأجهزة الإعلامية الكاذبة المخادعة والمتواطئة والتى جعلت الشباب الغربى يصرخون بغضب وندم  معلنين أنهم لم يكونوا يعلمون!!

رغم كل ما سبق  فإن الآلة الإعلامية التي أسقطتها حرب غزة لأول مرة وفضحتها على الملأ وكشفت عوراتها للعالم مازالت تكذب بوقاحة وجلد سميك، فأعرف أن اكثر ما كشفته تلك الحرب.. أن إسرائيل ستظل تكذب وتكذب رغم انكشاف الحقائق.. فلا تهنوا أبدا في ملاحقة تلك الأكاذيب وكشفها لأن تلك موهبتها الكبرى التى برعت فيها وجندت كل إمكانياتها لها .. فلاحقوها!!

علمتنى حرب غزة أنك إن لم تخش العقاب فافعل ما شئت.. هكذا فهمنا قوة فساد الحكام الديكتاتوريين لأنهم ببساطة لا يخشون العقاب بعد تكبيل شعوبهم وترويعهم بالسلاح.. ففعلوا بنا ما شاؤوا.. إذن تفعيل قوانين الحساب هى الحل مع كل ديكتاتور.. هكذا علمتنا غزة.

كشفت غزة عورات الحكام العرب أجمعين.. من جبن، ومن تواطأ، ومن استفاد، ومن تلاعب وبدا بألف وجه ليستفيد من تلك المعاناة.. ومن هرول للتطبيع الخسيس فى وسط تلك الحرب والمأساة.

حقا.. إنها حرب كاشفة للجميع!!

أما المقاومة الباسلة فإنها كما أعلنت.. ليس امامها سوى  النصر أو الشهادة، وإن شاء الله نصر قريب بإذنه تعالى.
-------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة